الفيل الأزرق : بعيدا عن الجنس والدين والسياسة وقدم كل المحظورات

مكتوب بواسطة
  • منذ 5 سنة
  • 1726


الفيل الأزرق : بعيدا عن الجنس والدين والسياسة وقدم كل المحظورات

كثرت المقالات والتحليلات التي تناولت فيلم كريم عبد العريز بالنقد سلبا تاره وتارة اخري ايجابا .. وكان ايضا لمن شاهد الفيلم  من نشطاء السوشيال ميديا تجد له رأي بل آراء متعددة والغريب ان الكثيرين ممن لم يشاهدوا الفيلم كتبوا نقدا للفيلم كعدوي لمرض تفشي و انتشرت علي الشبكة العنكبوتية

وهنا نجد  مقال من اهم ما نشر نقدا موضوعيا بقلم الكاتب الصحفي مجدي الطيب  في جريدة "القاهرة" (العدد الصادر في 27 أغسطس 2019)               
«الفيل الأزرق 2» فضح النص المكتوب خصيصاً للشاشة !
·         اهتمام المخرج بإبهار الصورة وتوظيف العناصر الفنية التي وصلت إلى أعلى درجات الدقة والتأثير الجمالي تسبب في تمرير رسائل سلبية للكاتب !
        الجنس والدين والسياسة ..  ثلاثة محظورات تثير حساسية ، ورعب، الرقابة، فتنتفض للحيلولة دون الاقتراب منها، وعقاب من جرؤ على أيقاظها، بوصفها فتنة نائمة؛ سواء أكان ذلك في زمن المنع الرقابي من دون قيد أو شرط، أو زمن التصنيف العمري غير المحكوم بقواعد محددة ومعروفة؛  ففي الزمنين لا اعتبار لظواهر خطيرة؛ كالعنف، القتل، وسفك الدماء، على الشاشة؛ وأقرب دليل على ذلك التصريح بالعرض التجاري للجزء الثاني من فيلم الفيل الازرق  "+8"، وكأنه "فيلم عائلي" !
  كانت المفارقة مثيرة بحق عندما كانت الشاشة تموج بمشاهد عنف،  في فيلم "الفيل الأزرق 2 "،  تُبتر فيها أذن، ويُقطع لسان، وتشرع أم في قتل زوجها وابنها وابنتها ثم تُقدم على الانتحار، ويصول فيها الجن ويجول ليتمكن من دخول جسد البطلة، بينما الأطفال يمرحون في قاعة العرض، وكأنهم في "روضة أطفال"، والمسئولية الاجتماعية غائبة عن الجميع !
  «الثقة الضائعة»
  يبدأ الجزء الثاني من حيث انتهى الجزء الأول من فيلم «الفيل الأزرق»؛ حيث تزوج «يحيى» (كريم عبد العزيز) من «لبنى» (نيللي كريم)، حبيبته السابقة، وشقيقة صديقه «شريف» (خالد الصاوي)، بعد طلاقها من زوجها (رمزي لينر)، لتربي «زياد» ابنه من «نيرمين» زوجته الراحلة، وابنتها «هانيا» من زيجتها السابقة، ويعود «يحيى» لمعاقرة الخمر، وهجر زوجته، إلى أن يتم استدعاؤه من قبل الدكتور «أكرم» (إياد نصار) مدير مستشفى الأمراض النفسية، بعد أربع سنوات من البطالة، بناء على طلب المريضة «فريدة» (هند صبري)، قاتلة زوجها وابنتها، التي تسببت في إثارة حالة من الذعر في «قسم 8 غرب»، وإصابة النزيلات بحالة من فقدان الذاكرة الجماعية، بعدما قطعت أذن إحداهن، ويشك مدير المستشفى في وجود علاقة سابقة بين «يحيى» و«فريدة»، التي تؤكد إحساسه هذا باعترافها ل «يحيى» أن زوجته «لبنى» كانت تشعر بالغيرة منها، لأنها نافستها على حب زميلهما في الجامعة (رمزى لينر)، قبل أن يفضل «لبنى»، ويتزوجها، وتحذره من إقدام زوجته على قتل العائلة جميعاً، ونفسها بعد ذلك، في غضون أربعة ليال، وتتبدى حالة من فقدان الثقة بين «أكرم» و«يحيى»، يعبر عنها الأول بقوله : «لا يمكن أن أثق في مدمن أو سيكوباتي» !
مكتوب خصيصًا للشاشة !
   البحث عن لغة بصرية توازي الإثارة التي يفجرها الموضوع، إن لم تتفوق عليها، دفع المخرج مروان حامد للبحث عن حلول تقنية عدة؛ منها ما لجأ إليه من ترجمة ما يدور في ذهن «أكرم» و«يحيى» من أفكار، في سطور مكتوبة على الشاشة، لكنه لم يكررها ثانية، والإبهار البصري، الذي وصل إليه في الجزء الأول؛ على صعيدي توظيف الجرافيكس ثم الصورة (أحمد المرسي) والإيقاع (مونتاج أحمد حافظ)، والموسيقى التصويرية ( هشام نزيه)، بينما لم يكن هناك داع للتنويه على الشاشة إلى تتابع الليالي الثلاثة، واقتراب الليلة المشئومة؛ وادخار المفاجأة، غير أن ما يلفت النظر، في الجزء الثاني، أن اعتماد الكاتب أحمد مراد على نص مكتوب خصيصاً للشاشة، وليس رواية منشورة، كما الجزء الأول، كان سبباً في تكرار عناصر كثيرة كانت السر وراء نجاح الجزء الأول، مع إدخال التعديلات التي تغير ملامحها بعض الشيء؛ فالمريضة «فريدة عبيد» تنويعة على «شريف الكردي»، وفي الحالين تم استدعاء «يحيى» للتعامل معهما، في ظل ارتياب مدير المستشفى، الذي جرى قتله (محمد ممدوح في الجزء الأول وإياد نصار في الجزء الثاني)، وفي الجزئين تتسبب حبوب «الفيل الأزرق» في انتقال البطل إلى عوالم غرائبية، بعضها طبق الأصل مما رأيناه في الجزء الأول؛ مثل قصة تاجر البغال التي تحولت إلى قصة «لوليا» العرافة الغجرية وعالمها، وأيضاً المعاناة المتكررة للبطل «يحيى» من علاقات الحب المبتورة،  وملله الدائم من الحياة الزوجية، ما يدفعه لمعاقرة الخمر، بينما تراجع كثيراً تأثير الجني «نائل»، و«ديجا» (شيرين رضا) راسمة التاتو، مقارنة بالجزء الأول، ما أفقد هذا الجزء الكثير من التشويق والإثارة والغموض، وبرهن على محدودية خيال أحمد مراد، في حال اتجاهه إلى كتابة نص خصيصاً للشاشة !    
تكريس الخرافة !
  في «الفيل الأزرق 2» يكرس أحمد مراد انحيازه للخرافة، رغم زعمه أنه صنع فيلم فانتازيا وإثارة؛ فالجني «نائل» لم يُحرق، ويواصل بحثه عن الجسد الذي يتلبسه، وبمقدور أي شخص أن يستدعيه بالوشم، وفك الطلاسم، و«شريف الكردي» انتابه شعوراً باليأس من الشفاء، فقطع لسانه، بينما الطبيب الذي يُعلي شأن العلم لاقى حتفه، في حين أن الطبيب الذي ينساق وراء الدجل والخرافة والغيبيات يعيش في الجزئين، ويُنتظر أن يواصل معركته في جزء ثالث توحي به نهاية الجزء الثاني، وكأننا في حاجة إلى تكريس هذه الثقافة الرخيصة، وتحريض العامة على إسقاط العلم والعلماء من حساباتهم جرياً وراء الدجل والخرافة، ووسط كل هذه الرسائل الخطرة يبدو وكأن المخرج مروان حامد ركز جل اهتمامه على إبهار الصورة، وتوظيف المؤثرات والعناصر الفنية، التي وصلت إلى أعلى درجات الدقة والتأثير الجمالي، كما وضح في شريط الصوت (حسن أبو جبل) والديكور ( محمد عطية)  والملابس (ناهد نصر الله)، وإحكام قبضته على الأداء التمثيلي؛ فالتهميش الذي طال شخصية «شريف الكردي»، وألقى ظلاله على دور وتأثير وتألق خالد الصاوي، لم يحل دون تألق هند صبري في شخصيتي «فريدة» و«لوليا »، العرافة الغجرية، والتوحد الكبير بينهما، في القتل والغواية والهيمنة، وإن جاءت نهايتها عبثية بدرجة كبيرة !
الهدنة المطلوبة
  مثلما حدث مع النجم عادل إمام، الذي علت الأصوات المُطالبة بانفصاله عن الكاتب يوسف معاطي، وعقد هدنة بينهما، بعد ما وصل بهم الحال إلى درجة الإفلاس والتكرار والعُقم الإبداعي، تبدو الحاجة مُلحة لتجديد الدعوة إلى عقد هدنة جديدة بين الثنائي حامد – مراد؛ فالأول في حاجة إلى رؤى فكرية جديدة تتيح له تقديم موهبته، من لغة، وإمكانات فنية ، بشكل مختلف، والثاني أحوج ما يكون إلى «استراحة محارب»، يكتفي بعدها، بدور كاتب الفكرة أو ربما القصة دونما التدخل في كتابة السيناريو، التي مازال في حاجة إلى وقت كثير ليتقنها؛ ففي الجزء الثاني مقاطع كثيرة دخيلة، وهامشية، وزائدة عن الحاجة، لم يفطن، بخبرته القليلة، إلى ضرورة حذفها ( زيارة البطل لقصر المريضة وحديثه إلى أمها (مها أبو عوف)، وهو ما يُعيدنا للقول إن «الفيل الأزرق 2» يكفي لُنغلق الباب من بعده أمام حكايات الدجل والخرافة والشعوذة !


الفيل الأزرق : بعيدا عن الجنس والدين والسياسة وقدم كل المحظورات


البث المباشر

قناة الإتحاد
إستطلاعات الرأي