آخر كلمات لتوفيق الدقن لم اترك شيئا يخجل ابني منه

مكتوب بواسطة
  • منذ 5 سنة
  • 901


آخر كلمات لتوفيق الدقن لم اترك شيئا يخجل ابني منه

اول مرة يواجه الفنان المرحوم  توفيق الدقن، الكاميرا كانت  أحداث فيلم «أموال اليتامى» بطولة الراحلة، فاتن حمامة، ومحمود المليحي والذي عُرض عام 1952.
وفي كواليس هذا الفيلم 
تقابل الدقن مع المليجي، لأول مرة وصرح له بقوله أبي كان رافضًا أن أمتهن التمثيل ، كان يريد أن أكون أزهريًّا مثله، لكن والدتي ساعدتني ووقفت بجواري، وكان لها شرط وحيد لكي تدعمني وتواصل الوقوف بجواري» واشترطت علي أن أكون مثل محمود المليجي»، فردّ عليه المليجي بحب : «اعتبر نفسك من الان محمود المليجي نفسه».
ولد الدقن في محافظة المنيا، ويعمل وهو طالب موظفًا في السكك الحديدية، لكي يساعد والديه ، التحق عقب تخرجه في معهد الفنون المسرحية 
ابن توفيق الدقن، «ماضي»، يقول في حوار أجراه مع مجلة «أكتوبر».
في تلك الفترة، كانت الأدوار التي تُعرض على «الدقن» إما قليلة أو لا تُناسب مسيرته الفنية، حسبما سجّل في حوار الكاتب الراحل، محمود السعدني، حيثُ صارح «الدقن» وقتها بأنه يقوم بأداء أدوار لا تُناسب تاريخه، ليرد الأخير قائلًا: «أنا باخُد 50 جنيه، بياخدوا استقطاعات، بيبقوا حاجة وتلاتين جنيه، وبعدين تيجي ضرائب ويخصموا بدل السفر، في الآخر ييجي توفيق الدقن، صاحب الـ3 عيال، واللي ملتزم قدام المجتمع بالتزامات مُعينة، في الآخر بياخد 19 جنيه، دول بيدفعوا أجرة البيت ولّا يكفوني لحد آخر الشهر؟، أنا اضطريت أعمل حاجات مش راضي عنها عشان أعيش».
وفي 6 يونيو 1983، رحل الفنان، محمود المليجي، حزنت الجماهير والأوساط الفنية، ولكن «الدقن» كان حزنُه مختلفًا، رحلَ عنه صديقه ومثله الأعلى، فكان موته أشبه بخيطٍ سحب «روايح» الزمن الجميل، ظلّ «الدقن» يقول لابنه «ماضي»: «يا ماضى يا ابنى.. خلاص.. أنا شامم رائحة الرحيل قادمة».
«شكلك عجّزت»، تلك الجملة قالها الكاتب المسرحي المصري، نعمان عاشور، لصديقه «الدقن» في حوار نادر، سجلا فيه مشاكسة الأصدقاء، وجاء رد الأخير قائلاً: «لازم أعجز، ده أنا داخل على 50 سنة، وبقالي 20 سنة على المسرح»، وبعيدًا عن السخرية والدعابة، قال: «الأيام لا تُقاس بالسنين، والأعمال لا تُقاس بطولها ولا عرضها، بل بجديتها وكيفية تقديمها، إذا كان 50 سنة فاضيين، يبقى مالهُمش لازمة».
وفي أواخر أيام توفيق الدقن، كان يشعُر بالمرارة، ويقول: «أنا فيه 3 سنين ضايعين مني محسوبين عليّ في الحياة وأنا ماشفتهمش»، حيثُ كان لهُ أخ أكبر منه بثلاث سنوات وتُوفي، ولكن جد توفيق رفض أن يستخرج لهُ شهادة ميلاد، وعاش بشهادة ميلاد أخيه، ورغم شهرة تلك الحكاية التي قد تبدو «أسطورية»، إلا أن الصحف آنذاك كتبت عن إحالة توفيق إلى المعاش بشكل كبير، وهو لم يكُن بلغ سن المعاش بعد.
لم تكُن سن «المعاش» في أواخر أيام توفيق الدقن على الأوراق الرسمية فقط، بل ظهرت في تعامل المخرجين معهُ، ولعل أبرز ما وثّق ذلك حكاية ابنه «ماضي» عن كتابة اسم «الدقن» على الأفيش السينمائي بعد فنانين أصغر منهُ قيمة وسنًّا، كما قال في حلقة برنامج «ممنوع من العرض» المُسجلة عن مشوار «الدقن»: «في فيلم (وداد الغازية) كُتب اسمه بطريقة ضايقته بعد مَن هُم أقل قيمة بكثير منه، وأفتكر إن في يوم من الأيام اتقاله اكتب اسمك قبل محمود المليجي، قال لأ ميصحش، في آخر أيامه زعل، وكان كُل أصحاب الرحلة رحلوا، قال (الوقت ده مش وقتي، وأنا شكلي كده هعتزل)».
أُصيب «الدقن» قبل سنوات من رحيله بمرض الفشل الكلوي، وهو ما أخفاه عن الجميع، كما قال ابنه «المقربين بس اللي قالهم»، ولكنه لم يستسلم أبدًا للمرض حتى عند دخوله المستشفى، لم يستطع تقبُّل عدم قدرته على السير واستخدام الكُرسي المتحرك، كبديل مؤقت، وسخر من ذلك، قائلًا: «أنا بكره الأدوار دي في التمثيل، أديني بعملها في الحقيقة».
وفي أواخر الثمانينيات، عُرض على توفيق الدقن المشاركة في مسلسل «الوريث»، وعلى الرغم من مرضه، لم يرفض، عملًا بمبدئه في الحياة «مفيش دور صغير ودور كبير، فيه ممثل صغير وممثل كبير»، وصارح المخرج بحقيقة مرضه قائلًا: «هسافر معاك بس متقولش لحد، وليا غسلتين في الأسبوع».
قال الشاهد على جُزء كبير من حياة توفيق الدقن، الماكيير، محمد عشوب، خلال استضافته في برنامج «ممنوع من العرض»: «توفيق على أد ما عمل وشِرب في حياته، كان في أيامه الأخيرة لا يترُك المصحف ولا يفوته فرض، حتى أثناء التصوير، تحس إن ربنا رضي على هذا الرجل قبل وفاته، اتحوّل، بقى فيه تقارب بينه وبين ربنا، كان يقرأ القرآن وختمُه أكثر من مرة، ويقرأ الأحاديث في أواخر أيامه.. بقى ماشي لا يحمل إلا القرآن».
وعند تصويره آخر أعماله الفنّية، داهمته ذبحة صدرية، بجانب المرض المُزمن، وفي تلك المرة لم يستطع الهرب، رغم التزامه حتى في لحظاته الأخيرة، كما يقول ابنه: «وقتها كلموه عشان كان في تصوير في (ستوديو مصر)، مقدرش يقولهم لأنه مكنش يحب يقول أنا تعبان، قالهم (هجلكُم بُكرة)»، ولكن النهار لم يُمهل توفيق الدقن ليفي بوعده الأخير، ورحل في 26 نوفمبر 1988، وكانت آخر كلماته لابنه: «لم أترُك لك شيئًا تخجل منهُ».


آخر كلمات لتوفيق الدقن لم اترك شيئا يخجل ابني منه


البث المباشر

قناة الإتحاد
إستطلاعات الرأي